• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
شبكة الألوكة / ملفات خاصة / رمضان / فقه الصيام وأحكامه
علامة باركود

من أمالي الحرم "كتب له قيام ليلة" تساؤلات مطروحة للنقاش

من أمالي الحرم كتب له قيام ليلة تساؤلات مطروحة للنقاش
أ. د. فهمي أحمد عبدالرحمن القزاز

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/5/2018 ميلادي - 15/9/1439 هجري

الزيارات: 30164

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من أمالي الحرم

كُتِب له قيامُ ليلة

تساؤلات مطروحة للنقاش

 

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعدُ:

فالحَرَم المكِّي مملوء بالفُيُوضات الربَّانية، فضلًا على الأجر الثابت بالنصِّ؛ فهو بيت الله وحَرَمُه، يُكرِم الله زائره بما شاء من فضله سبحانه وتعالى، وفيه الخير الوفير الذي لا يعلَمه إلا الله، وفي الموسم المنصَرِم ونحن نجلِس في مجلس العشر الأواخر طُرِحَ موضوعٌ مهِمٌّ، هو محلُّ تساؤلٍ من عامة المصلِّين في قيام الليل (صلاة التراويح) في الحرم المكي وغيره، ومَكْمَنُه وفَذْلكتُه هو أن المأموم الذي ينصرف قبل إتمام إمامه لصلاة التراويح والوِتْر لسبب أو آخر - هل يندرج تحت قوله صلى الله عليه وسلم: ((كُتِبَ لهُ قيامُ ليلة))، أو لا؟ وغيرها من التساؤلات المتعلِّقة بهذا النصِّ، وتخريجه، وتعليق العلماء عليه، فدار كلامٌ طويلٌ وممتعٌ مع طَلَبة العلم وأهله في هذا المقام؛ فأحْبَبْتُ في هذه العُجَالة أن أوثِّق كُلَّ ما مضى، وأَزيدَ عليه مما طرَأ لي بعده من تساؤل؛ فجاءتِ المقالة بعنوان: ((كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ))، تساؤلات مطروحة للنقاش، وأساله تعالى ألا يَحرمَنا ذلك المقامَ في كل سنة وعام، وأن يفتح علينا فيه من فضله وكَرَمِه.

 

فأقول: أخرَج الترمذي وغيره بألفاظ مُتقاربة عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنه قال: صُمْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يُصَلِّ بنا، حتى بَقِيَ سَبْعٌ من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثُلُثُ الليل، ثم لم يقُمْ بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة، حتى ذهب شطرُ الليل، فقلنا له: يا رسول الله، لو نَفَّلْتَنا بقيَّةَ لَيْلَتِنا هذه؟ فقال: ((إنه مَنْ قامَ مع الإمام حتى يَنْصَرِفَ كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ))، ثم لم يُصَلِّ بنا حتى بَقِيَ ثلاثٌ من الشهر، وصلَّى بنا في الثالثة، ودعا أهلَه ونساءَه، فقامَ بنا حتى تخوَّفنا الفلاح، قلت له: وما الفلاح؟ قال: ((السُّحور)).

 

وقال: واختلَف أهل العلم في قيام رمضان، فرأى بعضُهم: أن يُصلي إحدى وأربعين ركعةً مع الوِتْر، وهو قول أهل المدينة، والعمل على هذا عندهم بالمدينة، وأكثر أهل العلم على ما رُوِيَ عن عمر، وعلي، وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ركعةً، وهو قول الثوري، وابن المبارك، والشافعي.

 

وقال الشافعي: وهكذا أدركتُ ببلدنا بمكة يصلُّون عشرين ركعةً، وقال أحمد: رُوِيَ في هذا ألوان، ولم يَقْضِ فيه بشيءٍ، وقال إسحاق: بل نَختار إحدى وأربعين ركعةً على ما رُوِيَ عن أُبَيِّ بن كَعْب[1].

 

واختار ابن المبارك، وأحمد، وإسحاق الصلاةَ مع الإمام في شهر رمضان، واختار الشافعي أن يُصلِّي الرجل وحدَه إذا كان قارئًا، وفي الباب عن عائشة، والنعمان بن بشير، وابن عباس [2].

 

تخريج الحديث:

أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد، والطيالسي، وابن خزيمة، والطحاوي، وابن أبي شيبة، وابن حِبَّان، والبيهقي وغيرهم من مسند أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه [3].

 

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة، فصلى بصلاته ناس، ثم صلَّى من القابلة، فكثَّر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، أو الرابعة فلم يخرُج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح، قال: ((قد رأيتُ الذي صنعتُمْ، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيتُ أن تُفْرَضَ عليكم))[4]، وفي لفظ: "خرَج من جوف الليل، فصلَّى في المسجد، فصلَّى رجالٌ بصلاته، فأصبح الناس يتحدَّثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية، فصلَّوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثُر أهلُ المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلَّوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفِقَ رجالٌ منهم يقولون: الصلاة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، ثم تشهد، فقال: ((أما بعد، فإنه لم يخْفَ عليَّ شأنُكم الليلة، ولكنِّي خَشِيتُ أن تُفْرَض عليكم صلاةُ اللَّيلِ، فَتَعْجِزُوا عنها))[5].

 

ومن مُسْنَد عوف بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفًا في العشر الأواخر من رمضان، فلما أن كان ليلة ثلاث وعشرين، قال: ((مَنْ أحَبَّ أن يقوم معنا هذه الليلة، فليَقُمْ مقامي، حتى انقضى ثُلُثُ الليل))، ثم انصرف فمَشَيْتُ معه إلى قُتِيبة، فقلنا: يا رسول الله، لو قُمْتَ بنا هذه الليلة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بحَسْبِ امْرِئٍ أن يقُومَ مع الإمام حتى ينصرِفَ، يُحْسَبُ له قيامُ ليلةٍ))[6].

ومن مسند عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وغيره [7].

 

سبب ورود قوله صلى الله عليه وسلم: ((بحَسْبِ امْرِئٍ أن يقُومَ مع الإمام حتى ينصرِفَ، يُحْسَبُ له قيامُ ليلةٍ)) ثابت بالنص نفسه، وهو قول رجال من الأصحاب وهم يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يُطوِّل بهم الصلاة؛ ليشمل الليل كلَّه ابتغاء الأجْر والثواب، وحق لهم ذلك بقولهم: "لو نَفَّلْتنا بَقِيَّةَ ليلتنا هذه؟"، فكان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يُبيِّن أنه مَنْ صلَّى مع الإمام وبَقِيَ معه إلى أن يَنصرِفَ، كتَب الله له قيام ليلة كاملة، فقال صلوات ربِّي وسلامه عليه: ((إنَّه مَنْ قام مع الإمام حتى ينصرِفَ، كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ)).

 

الحكم على الحديث:

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح[8]، ورمز السيوطي لصحَّته [9]، وصحَّحه جَمْعٌ من العلماء من المتقدمين والمتأخرين.

 

بيان معاني الألفاظ، وفَهْم النقَّاد للنص من خلال تراجمهم:

قال ابن خزيمة: وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قام مع الإمام حتى ينصرِفَ، كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ))، دلالة على أن القارئ والأُمِّي إذا قاما مع الإمام إلى الفراغ من صلاته، كُتِب لهما قيام ليلتهما، وكَتْبُ قيامِ ليلةٍ أفضلُ من كَتْبِ قيامِ بعض الليل [10].


وترجم له ابن حِبَّان بقوله: ذِكرُ تفضُّل الله جل وعلا بكَتْبِه قيامَ الليل كلِّه لمن صلَّى مع الإمام التراويح حتى ينصرف، ثم قال: «قول أبي ذرٍّ: لم يقُمْ بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة، يريد: مما بقي من العشر؛ لا مما مضى منه، وكان الشهر الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه بهذا الخطاب فيه - تسعًا وعشرين، فليلة السادسة من باقي تسع وعشرين تكون ليلة أربع وعشرين، وليلة الخامسة من باقي تسع وعشرين تكون ليلة الخامس والعشرين» [11].

 

وقال البيهقي بعد إخراجه النص: "هذا تأكيدٌ لفضيلة صلاة التراويح في الجماعة"[12].

 

والجدير بالذكر أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((كُتِب له قيامُ ليلةٍ))؛ أي: كُتِبَ له أجْرُ قيامِها[13]، وهناك فرق بين من قام الليل كلَّه، وأخذ هذا الأجْرَ، وبين من كُتِبَ له أجْرُ قيامِ ليلةٍ؛ فالأول أعلى وأسمى كما لا يخفى على ذي لُبٍّ.

 

ووقع في ذهني أمرٌ آخَرُ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((مع الإمام)) فيه استشرافٌ منه صلى الله عليه وسلم أن صلاة التراويح ستُصلَّى جماعةً بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى؛ فقال: ((مع الإمام))؛ أي: أي إمام سيأتي بعده يُصلِّي بالناس جماعةً، وفي ذلك إذْنٌ للأُمَّة أن تُصلِّي هذه الصلاة بهذه الهيئة.

 

تساؤلات حول النص لبيان مفهومه:

1- هل هذا الفضل خاصٌّ بصلاة التراويح أو أي صلاة، فرضًا كانت أو نافلةً؟ وهل هذا خاصٌّ بإمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره؟

أجاب عن ذلك الأمير الصنعاني، فقال: قوله: ((إن الرجل إذا صلَّى مع الإمام))، أي صلاة، وأي إمام واستمرَّ في صلاته[14].

 

2- ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((حتَّى يَنْصَرِفَ))؟ وكيف يُجْمَع مع قوله صلى الله عليه وسلم: ((من صلَّى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومَنْ صلَّى الصُّبْح في جماعة، فكأنما صلَّى الليل كُلَّه))؟[15].

 

قال الصنعاني: ((حتى ينصرف)) من صلاته وذلك بتمامها، فلا يخرُج قبله، ويحتمل أن يُرادَ: وبقي في مُصلَّاه حتى ينصرف الإمام من مُصلَّاه، ويحتمل أن يُرادَ: صلاة العشاء الآخرة أو الفجر بحديث: ((مَنْ صلَّى العشاءَ في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومَنْ صلَّى الفجر في جماعة، فكأنما قام الليل كلَّه)) [16].

 

والراجح المعنى الأول والله أعلم بالصواب.

 

3- أيهما أفضل: صلاة الرجل في بيته، أو مع الإمام جماعةً؟ ولا سيَّما أن البخاري ومسلمًا وغيرهما، أخرجوا عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتَّخَذ حجرةً قال: حسبتُ أنه قال مِن حصير في رمضان، فصلَّى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناسٌ من أصحابه، فلما علِم بهم جعل يَقعُد، فخرَج إليهم فقال: ((قد عرَفت الذي رأيتُ مِن صنيعكم، فصلُّوا أيُّها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة))[17]، ويؤيِّده قول سيدنا عمر عندما جمع الناس على إمام واحد للتراويح قال: "والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون"؛ يريد: آخر الليل، وكان الناس يقومون أوَّلَه[18].

 

هذا ما أجاب عنه الإمام الطحاوي رحمه الله، فقال: ذهب قوم إلى أن القيام مع الإمام في شهر رمضان أفضل منه في المنازل، واحتجُّوا في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه من قام مع الإمام حتى ينصرِفَ، كُتِبَ له قُنُوت بقيَّةِ ليلَتِه))، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل صلاته في بيته أفضلُ من صلاته مع الإمام، وكان من الحجَّة لهم في ذلك أن ما احتجُّوا به من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه من قام مع الإمام حتى ينصرِفَ، كُتِبَ له قُنُوتُ بقيَّةَ ليلتِه))، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه قد رُوي عنه أيضًا أنه قال: ((خيرُ صلاةِ المرءِ في بيته إلا المكتوبة)) في حديث زيد بن ثابت، وذلك لما كان قام بهم ليلةً في رمضان فأرادوا أن يقُومَ بهم بعد ذلك، فقال لهم هذا القول، فأعْلَمَهم به أن صلاتَهم في منازلهم وحدانًا أفضلُ من صلاتهم معه في مسجده، فصلاتُهم تلك في منازلهم أحرى أن يكون أفضل من الصلاة مع غيره في غير مسجده، فتصحيح هذين الأثرين يُوجِبُ أن حديث أبي ذرٍّ هو على أن يُكتَبَ له بالقيام مع الإمام قُنُوتُ بقية ليلته، وحديث زيد بن ثابت يُوجِب أن ما فعل في بيته هو أفضل من ذلك، حتى لا يتضادَّ هذان الأثران[19]، وهذا الذي ذهب إليه البيهقي والعيني وغيرهما [20].

 

وألَمَح ابن بطال رحمه الله إلى التفاتة عظيمة، وهي أنه مَن فضَّل قيام الليل بمفرده، ينبغي ألا يُعطِّل سنة صلاة التراويح في المسجد؛ لأنها أصبحتْ شعارًا على أهل السنة والجماعة، فقال: قال الطحاوي: وكل مَن اختار التفرُّد، فينبغي أن يكون ذلك على ألا يَنقطعَ معه القيامُ في المسجد، فأما الذي ينقطع معه القيام في المسجد فلا، قال: وقد أجمعوا على أنه لا يجوز تعطيل المساجد عن قيام رمضان، فصار هذا القيام واجبًا على الكفاية، فمن فعَله كان أفضل ممَّن انفرَد؛ كالفروض التي على الكفاية[21].

 

وأما الذين لا يَقوون على القيام في بيوتهم، ولا يَقدِرون عليه، فالأفضل لهم الصلاة مع الإمام؛ قال ابن القصار: أما الذين لا يقدرون، ولا يَقْوون على القيام، فالأفضل لهم حضورها؛ ليسمعوا القرآن، وتحصل لهم الصلاة، ويُقِيموا السنة التي قد صارت علمًا[22].

 

قال ابن تيمية: "وكان الناس يُصلُّون على عهده في المسجد فُرادى وجماعات؛ لكن لم يداوم بهم على الجماعة؛ خشية أن تُفرَض عليهم، وقد أمِن ذلك بموتِه، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أهل السنن وصحَّحه الترمذي وغيره: ((عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بَعْدِي، تمسَّكُوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجِذ، وإيَّاكم ومُحْدثات الأمور؛ فإن كل بِدْعة ضَلالَة))، فما سَنَّه الخلفاء الراشدون ليس بِدْعةً شرعيَّةً يُنهَى عنها، وإن كان يُسمَّى في اللغة بِدْعة لكونه ابْتُدئ، كما قال عمر: نعمت البِدْعَةُ هذه والتي ينامون عنها أفضل"[23].

 

وبعبارة أخرى: "وقيام رمضان قد سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن الله قد فرض عليكم صيام رمضان وسَننتُ لكم قيامَه))، وكانوا على عهده صلى الله عليه وسلم يصلون أوزاعًا متفرِّقين؛ يُصلي الرجل وحده، ويُصلي الرجل ومعه جماعة، وقد صلَّى بهم النبي صلى الله عليه وسلم جماعةً مرةً بعد مرةٍ، وقال: ((إن الرجل إذا صلَّى مع الإمام حتى ينصرِفَ، كُتِبَ له قِيامُ ليلةٍ))، لكن لم يُداوِمْ على الجماعة كالصلوات الخمس؛ خشية أن يُفرَض عليهم، فلمَّا مات أَمِنوا زيادةَ الفرض، فجَمَعَهم عمر على أُبيِّ بن كَعْب"[24].

 

4- هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة هذه الليالي الوِتْر؟

لم يبين في النص أنه صلى بهم أو لا، لكن الظاهر عدم صلاته بهم الوِتْرَ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم "حتى انقضى ثُلُثُ الليل"، ومعلوم أن النبي يُصلِّي الوِتْرَ آخر الليل كما أمر أُمَّته صلى الله عليه وسلم هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الصحابة أرادوا زيادة النافلة، فلو كان قد صلَّى بهم الوتر، ما طلبوا منه ذلك؛ لأن العادة ختم الصلاة بالوِتْر، فإنه لم يُصلِّ بهم الوتر؛ فأرادوا الزيادة، وهذا لا يُؤثِّر على ظاهر النص بقوله: ((حتى ينصرف)) سواء خَتَم بالوِتْرِ أو لا، والله أعلم بالصواب.

 

5 - من اعتاد على تأخير صلاة الوتر إلى آخر الليل كما ورد في السنة، فما الذي يفعله إذا أراد أن يأخذ هذا الأجر؛ أجر عدم الانصراف حتى ينصرف الإمام، ولا سيما أن الأئمة اعتادوا تخفيفًا على الناس أن يصلوا بهم الوِتْر في جماعة بعد صلاة التراويح، هل انصرافه يَحرمه من هذا الأجر العظيم، فإذا صلَّى الوِتْر مع الإمام، فهل يجوز أن يصلي وِتْرَينِ في ليلة واحدة؟


أقول: من المعلوم أنه ورد النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله: ((لا وِتْران في ليلةٍ))، وفهم ذلك الصحابة وطبَّقوه في صلاتهم؛ فعن قيس بن طَلْق، قال: زارَنا طَلْق بن عليٍّ في يومٍ من رمضانَ، وأمسى عندنا، وأفطر، ثم قام بنا الليلة، وأوْتَرَ بنا، ثم انحدر إلى مسجده، فصلَّى بأصحابه، حتى إذا بقي الوِتْرُ قَدَّمَ رجلًا، فقال: أوْتِرْ بأصحابك؛ فإني سمِعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا وِتْرانِ في ليلةٍ))[25].

 

6- والذي يترتَّب على ذلك سؤال مهم، وهو مَن بَقِيَ وصلَّى الوِتْرَ بصلاة الإمام، وهو يريد أن يُصلِّي في بيته، ماذا يفعل؟

هذا ما أجاب عنه السادة العلماء قديمًا وحديثًا؛ فقال الترمذي بعد ذكر الحديث: واختلف أهل العلم في الذي يُوتِر من أول الليل، ثم يقوم من آخره، فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم: نَقْض الوتر، وقالوا: يضيف إليها ركعةً ويُصلي ما بدا له، ثم يُوتِر في آخر صلاته؛ لأنه ((لا وِتْرانِ في ليلةٍ))، وهو الذي ذهب إليه إسحاق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إذا أوتر من أول الليل، ثم نام، ثم قام من آخر الليل، فإنه يُصلي ما بدا له، ولا يَنْقُض وِتْرَه، ويدَع وِتْرَه على ما كان؛ وهو قول سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وابن المبارك، وأحمد، وهذا أصحُّ؛ لأنه قد رُوي من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلَّى بعد الوِتْر.

 

وأقول: إذا عُلِمَ هذا فلا ضيرَ أن يُصلي المأموم بصلاة الإمام؛ ولكن ينوي النافلة لا الوِتْر في ركعته الأخيرة، فإذا سلم الإمام وانصرف، قام وأتى بركعة ثانية أو رابعة ... على اختلاف ركعات الوتر، فيأخُذ بفضيلة متابعة الإمام وبقائه حتى ينصرِف، ومن جهة أخرى يُوسِّع على نفسه بصلاته في بيته، ويختم بالوتر، ويستطيع أن يأخُذَ بقول من قال: إنه يضيف ركعة إلى وِتْرِه الذي صلَّاه مع الإمام، ثم يتنفَّل ويختم بالوِتْر، ويستطيع أن يأخذ برأي مَن قال بجواز صلاة النافلة بعد صلاة الوِتْر، وبذا حاز فضلَ متابعة الإمام حتى ينصرف، وأخذ نصيبًا آخر من الليل، فأدرَك الفَضْلَينِ، وفي كُلٍّ خيرٌ، والله أعلم بالصواب.

 

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.



[1] فائدة نفيسة قال ابن تيمية: وقال طائفة: قد ثبت في الصحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاثَ عشرةَ ركعةً، واضطرب قومٌ في هذا الأصل لما ظنُّوه من مُعارضة الحديث الصحيح، لِما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين، والصواب أن ذلك جميعه حَسَنٌ كما قد نصَّ على ذلك الإمام أحمد رضي الله عنه، وأنه لا يتوقَّت في قيام رمضان عدد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُوقِّت فيها عددًا، وحينئذٍ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقِصَره؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُطيل القيام بالليل حتى إنه قد ثبت عنه في الصحيح من حديث حذيفة أنه كان يقرأ في الركعة بالبقرة والنساء وآل عمران، فكان طُول القيام يُغني عن تكثير الركعات، وأُبيُّ بن كعب لما قام بهم وهم جماعة واحدة لم يمكن أن يُطيل بهم القيام، فكثَّر الركعات؛ ليكون ذلك عِوَضًا عن طُول القيام، وجعلوا ذلك ضِعفَ عدد ركعاته، فإنه كان يقوم بالليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة، ثم بعد ذلك كان الناس بالمدينة ضعُفوا عن طول القيام، فكثَّروا الركعات حتى بلغت تِسْعًا وثلاثين)؛ الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/ 250).

[2] سنن الترمذي، ت: بشار (2/ 161) (806).

[3] سنن أبي داود (2/ 50) (1375)، والسنن الكبرى للنسائي (2/ 114) (1300)، وسنن النسائي (3/ 202) (1605)، وسنن ابن ماجه (1/ 420) (1327)، ومسند أحمد بن حنبل (5/ 163) (21485)، ومسند أبي داود الطيالسي (1/ 373)، وسنن الدارمي2/ 1116)، ومصنف ابن أبي شيبة (2/ 164) (7695)، وصحيح ابن خزيمة (3/ 337) (2206)، وشرح معاني الآثار (1/ 349) (2056)، وصحيح ابن حبان محقَّقًا (6/ 289)، وشعب الإيمان (4/ 553).

[4] صحيح مسلم (1/ 524) (761).

[5] صحيح مسلم (1/ 524) (761).

[6] المعجم الكبير للطبراني (18/ 60) (111).

[7] يُنظر: صحيح البخاري (1/ 147) (731)، وصحيح مسلم (1/ 539) (781).

[8] سنن الترمذي، ت: بشار (2/ 161) (806).

[9] يُنظر: الجامع الصغير من حديث البشير النذير (1/ 166) (1986).

[10] صحيح ابن خزيمة، ط 3 (2/ 1057) (2211).

[11] يُنظر: صحيح ابن حِبَّان محققًا (6/ 289).

[12] يُنظر: شُعب الإيمان (4/ 553).

[13] يُنظر: التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 457).

[14] يُنظر: التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 457).

[15] صحيح مسلم (1/ 454) (656).

[16] يُنظر: التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 457).

[17] يُنظر: صحيح البخاري (1/ 147) (731)، وصحيح مسلم (1/ 539) (781).

[18] صحيح البخاري (3/ 45) (2010)، وموطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري (1/ 109)، باب: ما جاء في قيام رمضان(279)، وصحيح ابن خزيمة (2/ 155) (1100)، ومصنف عبد الرزاق الصنعاني (4/ 258) (7723)، قال البيهقي: "قد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما منع أن يصلي بهم في الليلة الرابعة؛ خشية أن يُفْرَضَ عليهم، فلما قَبَضَه اللهُ عز وجل إلى رحمته تناهت فرائضُه؛ فلم يخَفْ عمرُ رضي الله عنه من ذلك ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخافُه، ورأى أن جمعَهم على قارئ واحد أمْثَلُ فجَمَعَهم، ولم يكن فيما صنع خلاف ما مضى من كتاب أو سنة أو إجماع؛ فلم يكن بدعة ضلالة؛ بل كان إحداث خير، له أصْلٌ في السنة، وهي ما ذكرنا من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في خبر عائشة ثلاث ليال، وفي خبر أبي ذرٍّ زيادة تحريض عليها، وذكر ما فيها من الفضل وزيادة الأجر" السنن الصغير للبيهقي (1/ 295) (817).

[19] يُنظر: شرح معاني الآثار (1/ 349) (2056).

[20] يُنظر: شعب الإيمان (4/ 554)، وعمدة القاري شرح صحيح البخاري (4/ 188).

[21] يُنظر: شرح صحيح البخاري؛ لابن بطال (3/ 120).

[22] يُنظر: شرح صحيح البخاري؛ لابن بطال (3/ 120).

[23] يُنظر: في المجموع: (21/318).

[24] يُنظر: في المجموع: (27/320).

[25] يُنظر: سنن أبي داود (2/ 67) (1439)، وسنن الترمذي، ت: بشار (1/ 592) (470)، ومسند أحمد مخرجًا (26/ 222) (16296)، وغيرهم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضل ليلة القدر وقيام الليل
  • في الاجتهاد في العشر وقيام ليلة القدر
  • المرأة وقيام الليل
  • من أمالي الحرم: ( وسلسلت الشياطين )

مختارات من الشبكة

  • من أمالي الحرم: لو سكت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أمالي الحرم: واجعله الوارث منا(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من أمالي الحرم: (إذ تلقونه بألسنتكم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أمالي الحرم: فهي صدقة من الصدقات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أمالي الحرم: من غسل واغتسل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أمالي الحرم: أطيب عند الله من ريح المسك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الأمالي الحلبية ( أمالي ابن حجر )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • التعريف بالبلد الحرام(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • حكم صلاة الفريضة في الفنادق حول الحرم اقتداء بإمام الحرم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حكم القتال في الحرم(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب